في كل مكان صليب خشبي وفي الزوايا تمثال “لمريم”.. ونشيد وطني كل يوم اثنين وتراتيل مريمية طوال شهر “العذراء” وصحبة لم تذكر شيئاً عن الإسلام يوماً! كان كل شيءٍ يدكّ صرح الفطرة في قلوبنا دكاً ونحن له مستسلمون!
لم نكن نتكلم جلّ الوقت إلا باللغة الفرنسية فنحن مميزات والعربية للعوام غير المثقفين! وكان مستوى المدرسة العلمي رائعاً ما جذب إليها معظم القادرين على تحمل التكاليف وللأسف أقول – والذين لا يأبهون بالدين الإسلامي – فما تربّينا عليه هناك أفقدنا العقيدة الإسلامية والإرتباط بالله جلّ وعلا ومعرفة ديننا والإلتزام به والإفتخار بالشريعة والتباهي بهويتنا الإسلامية..
فكانت عقيدتنا مشوّهة ومعلوماتنا الإسلامية معدومة.. ومعارفنا عن المسيح وأمّه البتول محرّفة.. ولم يكن عندنا أدنى فكرة عن محمد صلى الله عليه وسلم وحياته وجهاده وهذا الدين الذي أحيا به القلوب بإذن ربه جل وعلا.. وما مكة؟ وما المدينة؟ وما الحج؟ لا نفقه أي شيء من هذا الإسلام العظيم وشعائره ورجاله!!
أعجبتني حياة الراهبات إلى درجة كبيرة وشُغِفتُ بارتباطهنّ بقضية يسخِّرن جهودهنّ كاملة لها.. وابتدأت بالتفكير بأن أصبح راهبة لأقدِّم ما ينفع للمجتمع وأعمل لقضيّة أؤمن بها.. وتقرّبت من راهباتي حتى باتت تصلني بهنّ علاقة عميقة ومميزة جداً.. خاصة راهبة في المرحلة المتوسطة جمعنا عشقنا للموسيقى فعلمتني كتابة النوتات الموسيقية واللعب على البيانو.. وحاولَت إقناع أبي أن أدرس الموسيقى في الكونسرفاتوار ولكنه رفض لعدم اقتناعه بالفكرة.. وكم بكيت يومها لجهلي!!
هذا الإرتباط بهنّ ينافي عقيدة الولاء والبراء.. ولكن من كان ليخبرني عن خطر هذا التعلّق؟ فبأي بحر كنت أغرق لولا ان تداركتني رحمة ربي جل وعلا ونجاني من الحريق!
ونتيجة لهذا التعلق والرغبة بالتشبّه بهنّ طلبت أن أحضر القداس الذي يُقام كل أسبوع في كنيسة المدرسة.. ويكأنني كنت أفتش عن روحانيات تحييني.. واعتقدت أن الكون مركزه هنا!
كانت معاملتهنّ لنا تتّسِم بالحزم المغلّف بالحنان والمحبة والعطف.. تصرفات ظاهرها فيها الرحمة وباطنها خداع عظيم.. ممرٌ لتحقيق الغاية المنشودة والتي لم تعد اليوم تخفى على أحد!وفي السنة الأخيرة من المدرسة بدأت تلميذة في الصف تكلمنا عن الاسلام.........البقية